مقالات وأراء

فاطمة عنتر تكتب: التكامل بين العبادات

أمرنا الله سبحانه بالتقرُّب إليه عن طريق عبادته بكل أشكال العبادة لا سيما بأداء
المأمورات وترك المنهيات.
ولكن ما الحال إذا قام الرجل ليله، وصام نهاره، وظلَّ ماكثًا في مسجده
يتضرع إلى الله بالنجاح في دنياه وأن يترك فيها الأثر النافع له ولمن حوله ولكنَّه
لم يسع لذلك على أرض الواقع؟! يكتفي بالعبادة داخل المسجد يدعو ويدعو ومع
هذا يظن في الله تعالى ظن السوء بعدم الاستجابة له! فهذا مفهوم قاصر لمعنى
العبادة، فإن الله سبحانه جعل للعبادة ضروبا كثيرة؛ لعلمه باختلاف أحوال العباد
وطاقاتهم المختلفة، وجعل السَّعي لنفع الناس مطلبٌ شرعيّ، فليست العبادة
قاصرة على المسجد، وتحقيق النجاح في أمور الدين والدنيا لا يكون بالدعاء فقط،
وترك الأثر النافع لا يكون بالتمني، فلا ينبغي أن نخلط بين الأمور، فهناك فرق
واضح بين الحلم والهدف، فالحلم أن تتمنى شيئًا يأتي إليك دون محاولة منك
للوصول إليه، قال الله تعالى: “لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا” [النساء:123].
أما الهدف فهو ما وضعتَه لنفسك بشكل واضح ومحدد واتخذتَ السبل الموصِّلة
إليه وسعيتَ فيها، وتكون العبادة في هذا الهدف بأن تُخلص نيّتك فيه وتطلب من
الله العون والتوفيق ولكن لا بدّ من السَّعي والتخطيط الجيد، والنجاح ليس بالتمني،
والدعاء فقط، وإنما يقترن بالجد والعمل. قال تعالى: “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ” [العنكبوت:69] فسُنن الله في الكون لا تتبدل ولا تتغير فالنجاح لا يأتي إلا ببذل الجهد وترك الراحة وتحمل الألم، فمعرفة الهدف تعب وبذل وألم، وتعلُّم الوصول إليه ألم، ورحلة الوصول إليه ألم، وحتى بعد
الوصول إليه ألم وتعب في المحافظة عليه، ولكنه الألم المثمر، فإذا عبرتَ حاجز
الألم فتح الله لك أبواب النجاح بإذنه، وهنا يجب الوقوف أمام النفس برهة،
ولتسأل نفسك هل ما دعوت الله به تمني أم هدف سعيت إليه ورجوت من الله
تحقيقه؟!
فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله بالنصر وإعلاء كلمة الله في
الأرض ولكنه يخطط ويجتهد، فتارة يحفر خندقا ليمكر بأعدائه، وتارة يغير
طريق السَّير المعتاد في الهجرة إلى المدينة؛ حتى لا يستطيعو الوصول إليه، رغم
أنَّ من أسْرى به سبحانه ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى قادرٌ على
أن يرسل إليه ملكًا من السماء ينقله في طرفة عين إلى حيث يريد وهو نبي الله وحبيبه! ومع ذلك يجتهد كل الاجتهاد في الهجرة ويأخذ بالأسباب البشرية الكاملة للوصول إلى هدفه مع الدعاء والتضرع وطلب العون من ربه سبحانه، إذن فلا يمكنك انتظار أن يحدث النجاح، بل يجب أن تسعى كي يأتي إليك، وإذا كنت قد
قمت بتجربة عدة محاولات ولم تنجح عدة مرات فعليك بتغيير ذلك الطريق
والسير في طريق آخر، فربما كان الهدف واضحا جليّا ولكنك أخطأت المسار!
فلتسلك نحو الهدف طريقا آخر وتحمَّل ألم الصبر على الوصول، وتحمَّل ألم
الانتظار وألم المحاولات .
وكما قال دكتور مصطفى محمود: إذا نزل الكافر
والمؤمن إلى البحر فلن ينجو إلا من تعلَّم العو، فالكريم لا يضيع عنده تعب ولا
يفنى في عدله جهد، وتذكر دائما بأن العبادة –على قدرها- وقدر وجوب الحرص عليها فهي وحدها لا تكفي..
د.فاطمة عنتر – باحثة بالأزهر الشريف

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن الدروس الدينية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »